ارجو الاستفادة من الموضوع الشيق لك يا بُنيتي
وفقك الله في حياتك الدينيه والدنيوية
وكوني مثال سيدتنا خديجة رضش الله عنها ورضي عنك
ان شاء الله
يا بُنيتي: كوني كأمك خديجة.. أنموذج خير النساء، وأكملهن، رضي الله عنها.
بقلم أ.د./ ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي من مصر.
يا بُنيتي: لعلكِ عاتبة عليّ إذ خصصت أخيك وأقرانه برسالة:"يا بني: هذا نبيُك يأمرك بإتقان لسانهم". ولعل "الغيرة" قد دبت في نفسك ـ كما الحال في بعض شأنك ـ "لماذ لم يخصني وأترابي برسالة مماثلة؟". لا عليكِ..خففي من حدتك تلك, فها قد جاء دورك، وحان أوان رسالتك ـ فاسمعي ولبي، فأمرُك، وأترابك، أعظم شأناً، ومهمتكن أعمق أثراً، وما يحيط بكن من تحديات، وما يترصدكن من سهام أكثر خطراً. لكن "الوقاية" منها جميعا ..كتاب الله تعالي، وسُنة نبيه محمد صلي الله عليه وسلم، وعمل السلف الصالح من هذه الأمة.
يابنيتي: إن "حصوننا الأسرية مُهددة" من الخارج والداخل في آن معاً. وبعيداً عن التفكير التآمري هناك من يريد لهذه "المواثيق الغليظة" أن تنفصم عراها، ولهذه الحصون العتيدة المتبقية من حصوننا أن تـتهدد، بل أن تتهدم، وفي هدمها هدم للمجتمع كله. فالتهديد ومحاولات الهدم مصدرها إما خارجي: كالترويج لأنماط من المعاشرة تصطدم مع ديننا الحنيف، وحملات مسعورة للإثارة والتحلل والإباحية وتجارة الجنس في عولمة ثقافية تجتاح الخصوصيات والحواجز الأخلاقية، و"صناعة للفقر وتكريسه" ينعكس في تدني معدلات التنمية، والتغييرات الاجتماعية العميقة، والبطالة، وتأخير سن الزواج، وإباحة الإجهاض، والترويج لما يسمى "الاستقلال الاقتصادي للمرأة" الخ••أو أسباب أخرى داخلية: مثل تدني الوعي بالمسؤوليات والواجبات الأسرية، وانقلاب نسق القيم المجتمعية، وتفشي أنماط التعليم والإعلام غير المنضبط بقيم المجتمع، وإهمال الزوجان للأسرة بحثاً عن المال، والتباين الحاد لأسلوبهما في تربية الأبناء، وخلافتهما المستمرة، والغيرة الشديدة، والعنف والعناد، ولهث الأسرة وراء الاستهلاك الترفي، والفراغ، والإحباط، والفساد، وانتشار المخدرات••الخ. ومع توالي الأيام تقف هذه الأسباب ـ فرادى أو مجتمعةـ فتؤدي إلى تزايد معدلات الطلاق والخُلع.(ولتستزيدي راجعي مقال لكاتب السطور: حصوننا الأسرية مهددة، ما سبل حمايتها وتقويتها؟، مجلة الوعي الإسلامي: 466، جمادى الآخرة 1425هـ ـ يوليو/ أغسطس 2004م ص:76ـ80، الكويت).
أي بُنية: إنني أربأ بك ـ أيتها العاقلةـ أن تكوني سهما في كنانة أعداء الملة يرمون به الإسلام، وأنت لا تشعرين. وأربأ بكن أن يتخطفكن طوفان الباطل وبهرجته وصرعاته، وحملاته وهجماته البربرية الشرسة. فأنت، وأترابك، تتحدين هؤلاء الأعداء كل يوم بتمسككن والتزامكن بشرائع وشعائر دينكم، وإحتضانكن كتاب ربكم، وإهتدائكن بسنة نبيكم، وسيرة سلفكم الصالح.
يا بُنيتي: لقد كانت أمك "خديجة"، رضوان الله عليها، غُرّة ناصعة في جبين التاريخ عامة، والعلاقات الأسرية خاصة. فهي شريفة قريش، ومن أعرق بيوتها نسباً، وحسباً، وشرفاً، وكانت ذات مال، وتجارة رابحة، ونجابة بادية. نشأت على التخلق بالأخلاق الحميدة.. عقلاً وحزماً وفطنةً وحصافة وعفة وطهارة. فلُقِّبت في الجاهلية بـ(الطاهرة)، وكانت مضرب المثل في طهارتها، وحكمتها وحصافتها. كما لقب نبـُيك صلى الله عليه وسلم، في ذات البيئة، بـ"الصادق الأمين". ولقد اختارتها العنايةُ الربّانيّة لتكون زوجةً بارَّةً مخلصة لنبيك، فتزاوج الصدق والأمانة ثم النبوة والرسالة، بالطهر والعفة والفطنة والعقل والحزم.. فكان مزيجاً من القيم غير مسبوق.. لم ولن يكون. فأغترفي بنيتي واشربي من ذلك المَعين الذي لا ينضب، وتسربلي بسرابيل تلك القيم، وتأسي بتلكم الأسوة:"لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"(الأحزاب:21).
يا بُنيتي: لقد كانت أمك "خديجة"، رضي الله عنها، أول سيدة تزوجها نبيك، صلي الله عليه وسلم، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي يومئذ بنت أربعين سنة (سن الأشد والحكمة)، فعاشت معه إلى أن توفاها الله في الخامسة والستين من العمر. ومن بين فترات زواجه كانت تلك أطولها. وهي وإن كانت أسن منه صلى الله عليه وسلم، إلا أنها كانت أقرب الزوجات إليه، فلم يتزوج غيرها طيلة حياتها. وكانت أم ولده الذكور والإناث إلا إبراهيم عليه السلام، فكان له منها: القاسم وبه كان يُكنّى، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. وقبل زواجها لم تكن تعرفه ـ صلي الله عليه وسلم ـ عن قرب ليقال أنها ألفته، فبعثة تجارة الشام وحكاية ميسرة عنه هي التي عرفتها به، ويبقي حسن الإختيار، وسداد اتخاذ القرار(انظري: صفة الصفوة، ج1، ص74،و أسد الغابة، ج1، ص1337 بتصرف). إن معايير الزواج ـ بُنيتي ـ كفارق السن والحسب والمال والجاه والألفة، ليست مطلقة. إن المعيار الأساس هو الدين، والتربية الرشيدة، والتعقل والتبصر والحكمة، والتأهيل الواعي لتحمل المسئولية في ضوء معرفة الغاية من الحياة، وفي مضمار "توحيد القصد": "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"(الذاريات:56). وتبقي "العنوسة" مشكلة إجتماعية خطيرة لها أسبابها ولها أيضا حلولها، وأُحيلك ـ علي سبيل المثال ـ لمقال لكاتب هذه السطور: "تيسير المهور.. يقضي علي ظاهرتي العنوسة والطلاق المبكر" (مجلة الوعي الإسلامي: 500، ربيع الآخر 1428هـ ـ أبريل 2007م، ص:68-71، الكويت).
يا بُنيتي: الفتاة ـ بصفة عامة ـ أسرع نموا من الفتي من النواحي الجسدية والنفسية والعاطفية بحيث نستطيع أن نضع فتاة السابعة عشرة ـ من حيث النضج الجسدي ـ في مستوي شاب تجاوز العشرين، فينبغي ألا يتأخر إعدادها وتميزها وتربيتها، فيجئ الشباب النضج وهي لما تُعد بعد لمهمتها. وإعدادها لتلك المهام ـ في البيت/ المدرسة/ الجامعة/ المجتمع/الأعلام ـ ليس بالأمر السهل أو الهين. فالجهد التربوي المبذول فيه قد يكون اكبر مما يُبذل مع الفتي (والذي لا يتسع المقام للحديث عنه، ويحتاج لمقام آخر)، وكذلك ثمرة الجهد اكبر واضخم.. زوجة وأما مسلمة واعية فاهمة وأنموذجا لاستقامة الفطرة الإنسانية.
بُنيتي: يُقصد "بالتربية النسوية": نشر المعارف والواجبات والمسئوليات والسلوكيات الخاصة ـ من منظور إسلامي ـ بإعداد الفتاة وتوعيتهما وتدريبها وتأهيلها كي تنجح في المشاركة الفعالة في تكوين أسرة هانئة ومستقرة. وإذا ما ذكرت كلمة "تربية" فذلك يعني أن ثمة عاملا خارجيا يقوم بها، وهذا هو دور الأسرة الكبير والهام، ثم الأدوار التالية للمدرسة/ الجامعة/ المجتمع/الأعلام. لقد ألزم الله تعالى الأب (أو من يتولى الأمر) بإعداد ابنته لتمارس دورها الحياتي، وجعله من أعظم الناس أجراً إن أعطاها حقوقها، ومن أشنعهم وزراً إن ضيعها، وكيفما يكون الأهل واستقرار وتماسك الأسرة ـ قدوة واقتداء وتقليداً ومحاكاة، وتأثيرا إيجابياً أو سلبياًـ تكون الفتاة، وزوجة المستقبل. وقد يبدأ دور الأسرة مع فتاتها منذ نعومة أظفارها بتعليمها الدين (القرآن والسنة) وحقائقه ومعانيه ومقاصده، ومعاملاته وفضائله، وقد تُكلف بداية ببعض الأمور الخفيفة، لتكتسب التعود (تربية بالعادة):
وينشأ ناشئ الفتيان فينا علي ما كان عوده أبوه.
ثم بمرور الأيام والسنين، يلزمها بما يصحح عقيدتها وعبادتها من أصول العقائد والفقه، ومعرفة ما أبيح لها وما يحـُظر عليها، وتعلم من العبادات والآداب والأخلاق، مالا تستغني عن معرفته، ولتكون علي وفاق معرفي تام بطبيعتها المتميزة، ووظيفتها، ودرايتها بمراحل البلوغ والحيض وأحكام الطهارة لأداء العبادات، وأعدادها نفسياً وعلميا لمراحل الحمل والولادة والنفاس والرضاع وغيرها. وينبغي إلحاق الفتيات بالتعليم، مع الوعي ـ النفسي والعقلي ـ بوظيفتهن الرئيسية، فتلتحق الفتيات بمراحل للتعليم المتوسط والثانوي، حيث مناهج تعني عناية فائقة بالتربية النسوية، فمعلمات هذه المراحل مؤهلات لتربيتهن وإعدادهن، فيعلمونهن: إذا كانت تريد أن تكون جميلة فجمال المسلمة الحقيقي يكمن في سمتها وخلقها وحياؤها وطهرها، وكيفية تحول مشاعر الجنس الفطرية إلي تهيؤ عملي لحياة زوجية مرتقبة، بدلا من تحولها تبذلا وسعيا وراء الإثارة والفتنة، فيعززن بذلك مفاهيم الأمومة لديهن. ويتعلمن التدبير المنزلي ـ علما وعملا ـ ربة بيت نشيطة ماهرة مدبرة متقنة لأعمالها الأسرية، وحسن إدارة نفسها وبيتها وبنيها، حسنة التصرف في إدارة اقتصاديات الأسرة، ميزانيتها المالية، وأساليب التوفيق بين مطالب البيت وقدرة الزوج المادية، دون إسراف أو تبذير أو تقتير، كذلك تعلم الطرق المثلي لتربية الأطفال، وتأديبهم. والتأكيد علي أن الرجل لن يحترم امرأة غير متسلحة بالعلم وغير ناضجة، عقلا وفكرا، فتراها مضطرة إلي الاعتماد عليه، وعلي جهوده في صغيرة وكبيرة طيلة حياتها معه، وقد يتجاهل الزوج أخطاء عروسه خلال عامها الأول، ولكن لن يستمر إغضائه عن تلك الأخطاء لمدة طويلة.
بُنيتي: استرسالا مع هذا الموضوع الهام والحيوي.. يحرص جميع طالبات وطلاب التعليم العالي علي دراسة مقررات الإرشاد والتربية الأسرية كمنهج جامعي مشتملاً على الحقوق الشرعية والواجبات الأسرية، مع عقد مراكز النشاط الثقافي والاجتماعي الجامعي لدورات تدريبية متخصصة في هذا الشأن، وجلسات حوارية للجنسين لمناقشة القضايا الأسرية، كما يتعلمن كيفية أن يكن داعيات مسلمات في صفوف الفتيات ويساهمن في إعدادهن. كما تساهم أقسام الاجتماع والتربية وعلم النفسي والمعلمين وغيرها بتوجيه نتائج أطروحتهم وأبحاثهم العلمية تواصلا مع المجتمع ليستفيد منها، ولا تبقي حبيسة أرفف المكتبات. كما ينبغي ـ في البلدان التي لا تقوم بذلك ـ أن يدرج مقرر التربية الأسرية في جميع مراحل التعليم العام للجنسين، وبخاصة مهارات التواصل والحوار والتفاهم الأسري، والوعي بقيم ومفاهيم وتشريعات الأسرة الواقعية والتطبيقية وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية الغراء. وينبغي تعميم مشاريع وجمعيات ومراكز وطنية متخصصة للتوعية الأسرية الشاملة، يشارك فيها جميع القطاعات المعنية كل حسب اختصاصه، ونشر الوعي بوجود مؤسسات التوجيه والإرشاد الأسري ودورها الفعّال في تأسيس فهم عميق لفقه الأسرة، وثقافة الاتصال والحوار، وحل المشكلات الأسرية، فالمؤسسات الاجتماعية والجمعيات النسائية تقع عليها مسئولية تثقيف المرأة بكيفية إدارة أسرتها وتنمية مهاراتها الذاتية والأسرية والاجتماعية، وحسن التعامل مع مشكلاتها الزوجية، فقد تكون المرأة مثقفة ومتعلمة، إلا أنها غير ملمة أبسط الأمور المتعلقة بالسعادة الأسرية.
يا بُنيتي: ليس هناك من شك في أن الإشكالية ليس في تعليم الفتيات، فلا الإسلام أمر بتجهيل الفتاة، ولا شريعته تركتها جاهلة لا تتعلم بما تستقيم به أمور نصف المجتمع، وتعهدها برعاية النصف الثاني، فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ"(سنن ابن ماجة: كتاب المقدمة، برقم:220)، وهاهو شوقي يقول: الأم مدرسة إذا أعدتها أعددت شعبا طيب الأعراق
لكن تكمن المشكلة في نقص/ ضعف "التربية النسوية"، أسرياً وتعليمياً وثقافياً وإعلاميا، فلقد فاجأها الزواج فوجدت نفسها بلا عُـدة، ولا تدريب، ولا استعداد، ولا علم، ولا شعورا بالمسئولية، ولا تأكيد علي أهمية السكن والسكينة والتواصل والمودة الأسرية، التي جعلها الله تعالي آية في الزواج:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(الروم:21).
يا بُنيتي: لقد قـُُدَّر لأمك "خديجة" رضي الله عنها ـ قبل تشرفها بالزواج من رسول الله، صلي الله عليه وسلم ـ أن تتزوج مرتين. بيد أنها لم تطلَّق مرتين، بل مات عنها زوجاها. ولعلك تعلمين أن نسب الطلاق ـ الآن ـ في مجتمعاتنا الإسلامية في إزدياد، وقد بلغت في بعض البلدان نحو 35% من الزيجات. وتلك مشكلة كبيرة وبخاصة أن أسبابها غير منسجمة مع ما أحله الشرع الحنيف عند "استحالة العشرة بين الزوجين" من فصم عري "الميثاق الغليظ".. ميثاق الزواج، وعقد النكاح. هذا فضلا عن أن الأرامل والأيتام (هم بالملايين جراء الحروب والإعتداءات)، بحاجة ماسة لمساندة إجتماعية، يقول تعالي: "فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ"(الضحي:9)، ويقول تعالي:"وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا"(النساء:2)، ويقول النبي صلي الله عليه وسلم:" أنا وكافل اليتميم في الجنة هكذا، وقال باصبعيه السبابة والوسطي" (رواه البخاري، حديث رقم:5546).
يا بُنيتي: لماذا يفتعل البعض مسببات للمضايقات والاستفزاز، و"العناد الأسري"؟، أليس ذلك عنوانا علي خلل كبير في منظومة كيانهم الأسري القائم؟. فكل منهما يعاند بفعل ما يضايق الآخر، فاللون الأصفر يكرهه، وأطعمة ما لا يستسيغها.. فتختار كل ملابسها صفراء، وكل أطعمتها هي تلك التي لا يستسيغها زوجها. بينما نجد أسلوبا ما يستفزها وتجاهلا ما يغيظها فيحرص ـ صاحبناـ كل مرة علي استعمال هذا الأسلوب وذلك التجاهل. ولكي يتم التعبير عن "ضرر" تلك المضايقات يعمد كل منهما ـ بغضب ودون رفق أو تروـ إلي محاولة الإصلاح فور الوقوع، وتحت تأثير" الأدرينالين.. هرمون الغضب والثورة" فيدخلان في دوامة مفرغة، تؤدي في نهايتها إلي الفشل في تحقيق السعادة الزوجية؟.(جريدة الأهرام المصرية في عدديها الصادرين يومي: 7/9/ 1990م، ص11، ويوم 4/11/1997م، ص7). فحذار حذار ـ بُنيتي ـ والبعد البعد عن تلك المشاغبات والمضايقات وتلافيها، وتلاقي مع زوجك علي قواسم مشتركة والنظر باتجاه واحد، مع الرفق واللين في معالجة تلك الأمور.
يا بُنيتي: لقد "اصطفي" الله تعالي السيدة "خديجة" رضي الله عنه لهذ المنزلة وتلك المكانة لما لها من صفاء الروح، والاستعداد لتقبل الحق، وتشرب أنوار الإيمان، وبدايات نزول القرآن (وما أصعب البدايات، وأثقلها). فكانت أول من آمنت وأسلمت من الناس، وشهدت أن الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه وسلم الحق من ربه، فخفف الله بذلك عن رسوله صلى الله عليه وسلم. وكأن الله اختصها بشخصها لتكون سنداً وعوناً في حمل هذه الدعوة في مهدها الأول، ومن ثم إبلاغ رسالة رب العالمين للناس كافة. لقد آنسته وواسته وآزرته بنفسها ومالها في وقت كان صلى الله عليه وسلم في حاجة ماسة لتلك المواساة والمؤازرة والنصرة. فحين نزل "جبريل" عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء رجع يرتجف حتى دخل عليها فقال: "زملوني، زملوني.."، فزملوه حتى ذهب عنه الروع. وقال لخديجة: "أي خديجة، ما لي لقد خشيت على نفسي"، وأخبرها الخبر، فردت عليه فقالت: "كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ"(رواه البخاري، برقم: 4572)، ثم انطلقت ـ برباطة جأش قل نظيرها في مثل هذه الأحوال ـ تمشي به إلى ورقة بن نوفل – وكان عالمًا بالأديان، فسمع من الرسول- واستبان الأمر، وهدأت النفوس واطمئنت لأمر النبوة العظيم (الحديث في صحيح البخاري، ج4، ص1894، وأنظري: عيون الأثر، ج1، ص165، وسيرة ابن هشام، ج2، ص74، وتاريخ الإسلام، ج1، ص31، وسيرة ابن اسحاق، ج1، ص113، وتاريخ الطبري، ج1، ص533، وأسد الغابة، ج1، ص1339). فعليك ـ بُنيتي ـ أن تهتمي لشأن زوجك واسرتك، متحلية بالحكمة ورجاحة العقل. ودوماً ـ كوني ـ معوانا في الخير، مغلاقاُ للشر، رابطة الجأش مع ابتلاءات الدهر، مشيرة بالرأي السديد.
يا بُنيتي: لقد أسست أمك "خديجة" تفسيرها لهذا الأمر الجلل "أمر النبوة" علي حقائق وليس أوهام. فترينها استنتجته، بعقليتها الفذة وحكمتها، بناء علي مقدمات: "إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقّ". فمن وفقه الله لتخلق بمثل هذه الأخلاق فلن يخزيه أبدًا. ثم تبقي تلك الشهادة الرائعة من زوجة لزوجها.. تقريراً بشكر العشير، وليس "كفرانه"، وإنَّ كُفر العشير لمن نساء بمكان. فعليك ربط الأسباب بمسبباتها، والأخذ بالأسباب في كل شأنك ثم التوكل علي الله تعالي، وترك الشكاية، و"شكر العشير"..كما هدتنا سنة المعصوم صلي الله عليه وسلم لذلك.
يا بُنيتي: تكرار ذكر هفوات، واجترار مواقف سلبية قديمة وربطها بأخرى حديثة يجدد المشاكل والأحزان ولا يحلها، بل تتراكم فتنفجر ـ يوماً ـ بركاناً من الغضب والشقاق فالفراق. فلنحاول عدم إحياء المشاكل والأحزان القديمة.. تقوي وعفوا وصفحا، مع الاهتمام بعظائم الأمور.. عدلا ومعروفاً..، ولنتجاهل بعض الأخطاء والسفاسف، ثم لنلق بهما بعيدا في سلة النسيان.
يا بُنيتي: لقد عاشت أمك "خديجة" رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حلو الحياة ومرها، (إذ أن أكثر الناس بلاءً الأنبياء) فكانت حصنه الداخلي، وركنه الشديد، ومثابة وزيره الصادق الأمين، والرفيق الأنيس والنصير. نافحت ودافعت وتحدت وآزرت وساندت وشاركت وتفانت وواست الرسول في دعوته بكل ما لديها، وفي ظروف قلما يوجد فيها نصيرا أو مؤازرا أو معينا. فلم يكن، صلي الله عليه وسلم، يسمع شيئاً من استهزاء وسباب وتكذيب إلا فرج الله عنه بها، إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس. فسرعان ما ينسى الألم والحزن، إذا تمسح بيدها الحانية على قلبه . وكانت – رضي الله عنها – امرأة حاذقة صَنَاعٌ في إدخال السرور على زوجها والتخفيف عنه، لقد آمنت حين كفر الناس، وصدقت حين كذّب الناس، وآوت حين طرد الناس، وواست بالنفس والمال حين نفر الناس (راجعي: البداية والنهاية، ج3، ص23،و سيرة ابن هشام، ج2، ص77، وأسد الغابة، ج1، ص1339).
يابُنيتي: كيان الأسرة (من الأسر والشد والربط) "رباط مقدس" والتحام وتوافق وانسجام بين شخصيتين، وتجربة حياة غنية وثرية وسعيدة.. وإدراك معانيها "فهم"، وإدراك مراميها "فقه"، ومن الفهم معرفة أن العواطف تفتر، ولكن من "الفقه" معرفة أن أساليب إحيائها عديدة ومتنوعة. ومن "الفهم" معرفة أن المعوقات والمشكلات الحياتية متعددة، ولكنها لا تستعصي علي الحل بالتعاون والتكاتف والتعاطف، ومن "الفهم" معرفة أن المواقف ووجهات النظر تتباين، ولكن رأب الصدع فيها وحسن النوايا هين ووارد، فالجانب الممتلئ من الكأس لاشك أكبر من الفارغ، والسنوات الحلوة كثيرة تفوق تلك المرة، وبجهد ميسور يتم ارتقاء أسباب البناء، وإذا ما كانت هنالك من معاول هدم فلن تنال من الحصون الأسرية المنيعة العصية علي الانهيار بإذن الله تعالي:"فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا" (الكهف: 97).
يابُنيتي: لقد كنت في البيت مشغولة في استذكار دروسك ومنها "أصول التربية الإسلامية ونظرياتها وسبلها(راجعي: محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، دار الشروق، 1408هـ) ومقارنتها بفلسفات وأساليب تربوية غربية. وعهدتك تتحملين مسئولياتك. لا تعيرين بالاً للواتي سيتضاحكن من تعلم شئون الأسرة، وكيفية تحسين مسئولياتك المنزلية، ومهاراتك الأسرية. ولا لإعلام يُروج: "المتعلمة/ أو ذات الوجاهة لا تقوم بذلك، إنما عليها تحطيم "التقاليد البالية"، لتعظيم:" تحرر المرأة، مساواتها بالرجل"، وما "التربية النسوية" وغيرها إلا "تمييز" ضدها من المجتمع "الذكوري"، و"ردة عن تحررها"، فالفتاة "العصرية" المثقفة ذات التجربة والأفق الأوسع، و"النيو لوك" لن تكون بحال كصورة "التقليدية الساذجة المحدودة الأفق"، فهي "متحررة" من ذلك، فبضغطة زر.. تنوفر "الخادمات الأجنبيات"، ويتم "توصيل الطلبات".
بنيتي: ليس من شك في أن الجـَمال والزينة، وأدواتهما، هما للمرأة حاجة فطرية غريزية، تـنشأ عليها، وتنال الكثير من عنايتها منذ أن يشب عودها، وعلي مدار مراحل عمرها. بيد أنه في الآونة الأخيرة، وقد تغيرت المعايير، وتحولت الصور، وتبدلت الأسلحة.. قل أو اضمحل ذلك التأثير، فتمرد الرجل علي سلاح الجمال لدي المرأة، أو عافه، فلم يعد يركن إليه طويلاً، ومن ثم وجدنا تنامي "صيحات النيولوك"، وهي تتعاقب علينا، وتطلع علينا كل يوم، لتبدل ما كان بالأمس يُعد من "معايير الجمال والزينة"، محاولات ومحاولات لتعيد الرجل إلي ذلك "الأسر الجميل"، والذي ما عاد يحتويه، فهرب منه، ربما إلي " قبح" قد يراه "جميلا"، مُـرددا: ما الجمال إلي أمر نسبي!. إن المرأة تربح وتربح عندما تضيف إلي مزيتها الفريدة ـ أي جمالها وزينتهاـ مزية أخرى تزيدها جمالا وزينة، وتضيف إلي جوار أدوات زينتها.. أدوات إقناعها، وملامح ثقافتها، وهي تمتلكها كامتلاك الرجل لها، ولكنها قد لا تستعملها، من حيث يجب أن تستعملها، مكتفية بسلاحها الأول، فيفوتها في بعض الأحيان اجتماع السلاحين معا. إنهما ليسا سلاحين فقط لكن "الرافعي" يجعلهما ثلاثة، فهو يزيدها سلاحا ثالثا، يزيد من قيمتها، فيقول:"خير النساء من كانت علي جمال وجهها، لها أخلاق كجمال وجهها، وكان عقلها جمالا ثالثا، فأجتمع لها الثلاثة )راجع:" من وحي القلم، مكتبة الأسرة 1995، ص 163ـ187). إذا ما كانت أدوات الزينة قد صنعت لتستميل العين والوجدان، فإن أدوات الإقناع..أدوات تواصل تستميل العقل أولا، وقد تجتمع المشاعر والعاطفة معه في بعض الأحايين.
يا بُنيتي: قد توجد أوقات طارئة قد لا يتم فيها العناية بالنفس والمظهر علي نحو كاف ولائق، كأوقات العودة من يوم عمل شاق، أو عند العناية بالسيارة أو الحديقة أو صيانة المنزل، أو استحداث منزل آخر، أو عند تحضير الطعام في المطبخ..الخ، لكن أن يصبح عدم الاهتمام بالمظهر الجميل والبسيط والمتنوع، وعدم التزين قاعدة مستمرة ومتواترة، وبخاصة مع تواجد هذا السيل العرم من التبرج/ العري الذي يصدمك أينما ذهبت. كما إن عدم إبداء الإعجاب والتقدير المتبادل بالذائقة الجمالية وحسن الهندام ـ مظهراً ومخبرا ـ مؤشر خطير لاضمحلال الحب ودمار العش الأسري. لقد كان ابن عباس ـ رضي الله عنهما، واقتداءً برسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يتزين لامرأته كما يحب أن تتزين له.
بُنيتي: لم يزعزع إيمان أمك "خديجة"، ولم تتزحزح ثقتُها بزوجها يوم تسببت الدعوة الإسلامية – بزعم البعض – في تطليق بناتها. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ زَوّجَت رُقَيّةَ وأُمّ كُلْثُومٍ من دار أَبِي لَهَبٍ. فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ، قَالُوا: إنّكُمْ قَدْ فرّغْتُمْ مُحَمّدًا مِنْ هَمّهِ فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ. فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ (زوج "زينب") فَقَالُوا لَهُ فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ قَالَ: لا وَاَللّهِ، إنّي لا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا ... ثُمّ مَشَوْا دار أبي لهب، فأجابهم، وطُلقت رقية وأم كلثوم" (ابن هشام 1/652 . بتصرف). لم يصدر عن أمك "خديجة" ولا من بناتها لفظة تشائم أو تبرم، أن ابتلاهم الله بفض هاتين الزيجتين، ولم تقل خديجة كما تقول بعض النساء: لقد جلبت لنا دعوتك خراب البيوت، وطلاق البنات! ما ذنبهن ألا يفرحن ويُحْمَلن إلا أزواجهن؟!. لقد صبرت، ورأت أن حكمة الله اقتضت، أن يبدلنهن بزوج أكرم وأخلق وأغنى وأجمل مما كُنَّ يطمحن إليه.
صغيرتي: احرصي ألا يتحول بيتك إلي شبه "فندق" يلتقي فيه النزلاء ـ زوجا وزوجة وأولادا ـ كأنهم في ورشة عمل "وظيفية"، لا في حياة زوجية، تحوطهم مسئولية ورعاية أسرية.. فيظهر القلق والاضطراب والتفكك والحيرة والضياع والجنوح، ثم تسجل محاكمنا عشرات الآلاف من صكوك الطلاق المبكر والمتأخر، لتصل معدلاته ما بين (34- 46٪)، ويُحجم المقبلون علي الزواج ـ تعللا بعدم وجود شريك مناسب، كفء"يغامرون" بالارتباط به في ظل غلاءٍ للمهور، فترتفع نسبة العزوبة والعنوسة (15 ـ20٪).
بُنيتي: لما كُتبت وثيقة الحصار الظالمة، وسيق المسلمين إلى الشِعِب، وقاطعتهم قريش وجوّعتهم، كانت خديجة مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – راضية محتسبة، على الرغم من تقدمها بالسن، كانت ذات همة عالية. لم يصدر منها كلمة عتاب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - ولم تتبرم له، بل ثبتت معه في المحنة، وعزمت أن تبقى إلى جواره حتى تنقشع الظلمة، ورضيت أن تترك منزلها الفاخر وفراشها الوثير وتخرج حبيسة "الحصار" مع رسول الله بين جبلين، تُعاني الحَر والقَر، تفترش الحصباء وتلتحف السماء، وتكابد الجوع والفقر، وهي الغنية الحسيبة. كابدت الظمأ والخشونة، وهي السيدة الشريفة. وطالت بها أيام الحصار وهي واثقة راسخة رسوخ الشم الروسي، سامقة سمو الجوزاء العوالي. كل ذلك على مدار سنوات الحصار الثلاث من شهر المحرم للعام السابع للبعثة وحتى المحرم للعام العاشر للبعثة. فلكِ فيها كل الأسوة والقدوة، ولك في فضائلها رضي الله عنها خير مُحفز للإقتداء بها.
عزيزتي: الأسرة شركة وتعاون، وعدم التشارك في الحاجيات/ الأغراض المادية علي الأغلب قد سبقه عدم التشارك في الجوانب العاطفية وفتورها/ أو توقفها. إذ الحب دافع كبير لكل عطاء، وإذا كان عدم التشارك في الحاجيات مقبولا إبان فترات الطفولة، فهو ليس بمقبول بأي حال في الحياة الأسرية، فالزوج لا ينسي مطلقا أزمة مرت به وكان في مقدور زوجته أن تنقذه منها من مالها؟. وليضع كل واحد منكم نفسه موضع الآخر: إن هذه الأمور ـ معنوية ومادية ـ تؤذي مشاعري فلا ينبغي أيضاً أن تؤذى مشاعره، يقول المولي عز وجل: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت: 34).
بُنيتي: ولما انقشعت ظلمة الحصار، وتبدد كابوس السجن، خرجت – رضي الله عنها – وقد أعياها المرض، وبراها الجوع، وهدَّمت بنيانها سنوات الضنك، فخرجت من سجن الناس إلى رحاب الله الرحيب، بعدما بشرّها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ببيت في الجنة من لؤلؤ – وبيوت الجنة قصور - تنعم في قصرها بغاية الهدوء والنعيم، وقد نزل الأمين جبريل – خصيصًا – ذات يوم حاملاً رسالة عاجلة وسلامًا مُخَصَصًا من الله رب العالمين إلى السيدة الجليلة "خديجة". فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا – وَمِنِّي - وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيهِ ولا نَصَبَ (البخاري: 3536). وهكذا أرسل الله لها التحية والبشارة، محمولتان من أمين السماء "جبريل"، مدفوعتان إلى أمين الأرض "محمد"، ليقوم بدوره بتبليغ التحية الكريمة والبشارة السعيدة، من كريم عن كريم عن كريم إلى سيدة نساء العالمين "خديجة"، فما أكرمها وأكرم منزلتها.
بُنيتي: لقد تاقت روح السيدة "خديجة" رضي الله عنها إلى بارئها، وذلك قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات وثلاثة أشهر ونصف، ولها من العمر خمس وستون سنة، ودفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون، وأدخلها القبر بيده (أسد الغابة، ج1 ، ص11). وتشاء الأقدار أن يتزامن وفاتها والعام الذي توفي فيه "أبو طالب" عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان ـ بجانب السيدة خديجة رضي الله عنهاـ يدفع عنه ويحميه أيضاً، فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك العام حزنا شديدا حتى سُمي بعام الحزن. لقد توفيت أمك "خديجة" رضي الله عنها ولم تر في الدنيا لقاء ما قدمته، فلم تفرح بغنيمة، ولم تر دولة المسلمين الزاهرة. بيد أن الأجر العظيم الذي لا ينقطع فضله قد أخره الله لها، فليس بمقدور ملوك الأرض جميعًا أن يوفوا لها أجر صنيعها، إنما الجدير بذلك ربها الذي خلقها وهو ملك والملوك. فجزاك الله ـ يا أماه ـ عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
بُنيتي: كوني نصيراً لدعوتك ورسالتك وأمتك، وأهلك وزوجك وأولادك كما كانت أمك "خديجة" رضوان الله عليها.. النموذج السامي للقيم الإيمانية والأخلاقية والإجتماعية والإنسانية تجاه زوجها صلى الله عليه وسلم. فنعم المؤمنة الحامدة الشاكرة كانت، ونعم الصابرة المجاهدة المحتسبة كانت، ونعم الوفية الصادقة المخلصة كانت. فكوني زوجة مثالية كما كانت. كوني كما جسّدت خلق المرأة المثالية في علاقتها مع زوجها من المودة والسكن، والحبّ والوفاء والمواساة، والبذل والعـطاء، وتحمّل المحن والشدائد دون تأفف أو تضجر.. فليتك ثم ليتك ونساء المسلمين يقفون أثرها، ويحذون حذوها، ويخطون خطاها. إن تلكم الزوجة الصالحة التي تدفع زوجها إلى مدارج الإيمان، وتطبيق رسالة الله تعالي، فتخفف عنه أعباء الحياة، وتُشاركه آلامه وأحزانه.. لا تقدَّر بثمن، وقد روي عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" (صحيح مسلم، ج2، ص1090)، وروي أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا امرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك"(مسند الطيالسي, ج1، ص306)، وتلك كانت أهم صفات السيدة خديجة رضي الله عنها.
يا بُنيتي: بعد وفاة أمك "خديجة"..تروي أمك "عائشة" رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر ذكر "خديجة"، فقالت له: "لقد أخلفك الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين". تقول "عائشة": فتمعر وجهه صلى الله عليه وسلم تمعرا ما كنت أراه منه إلا عند نزول الوحي وإذا رأى المخيلة حتى يعلم أرحمة أو عذاب"(صحيح ابن حبان، ج 15 ص 468). وتقول أيضاً:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر "خديجة" لم يكن يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها، فذكرها ذات يوم واحتملتني الغيرة إلى أن قلت:"قد عوضك الله من كبيرة السن، قالت: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضبا سقط في جلدي، فقلت في نفسي: اللهم إنك إن أذهبت عني غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أذكرها بسوء ما بقيت. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد لقيت قال "كيف قلت؟! والله لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقت مني الولد إذ حرمتيه مني، فغدا بها علي وراح شهرا" (لمعجم الكبير ج 23 ، 13).
بُنيتي: يروى البخاري ومسلم وغيرهما عن أمك "عائشة" رضي الله عنها، قالت: "استأذنت هالة بنت خويلد، أخت خديجة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة"(أي صفته لشبه صوتها بصوت أختها فتذكر خديجة بذلك، فارتاع لذلك (تغير واهتز سرورا)، فقال:"اللهم هالة" (أي اجعلها يا الله هالة، أو: هي هالة). لقد كان وفاء نبيك لها بلا حدود، وأكرم به من وفاء، الجزاء من جنس العمل. يحن إليها كثيرا، ويذكرها طويلاً، ويسترجع فضائلها دوماً، ويكرم صويحباتها كرماً. فكان إذا ذبح أو طبخ أهدى إليهن، إكرامًا لـ"خديجة"، وهي في قبرها!. وإذا ذكرَها ذاكرُها في حضرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا به – صلى الله عليه وسلم – يرق لها، ويذكرها، ويستغفر لها، ويذكر فضائلها حتى تاتيه عادية أو صارفة تقطع الحديث عن فضل خديجة!. وأحيانا يحصل العكس، فإذا غارت أمك "عائشة" ونالت من أمك "خديجة" كما تنال المرأة من ضرتها فقالت: "عجوزٌ! قد أبدلك الله بخير منها". فيزيد رسول الله في ذكرها ويكثر من الحديث عن فضلها أكثر وأكثر.
بُنيتي: هل تعلمين بعد يوم بدر، جاءت كل عشيرة تفتدي أسراها من المسلمين، وكان أبو الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ - زوج "زينب" بنت بنيك محمد صلي الله عليه وسلم– بين الأسارى، وكان الإسلام قد فرق بينه وبين بنت رسولك. وأرادت زينب – الوفية بنت الوفية – أن تنقذ زوجها من الأسر، علها تَرد له يدًا من أياديه البيضاء، أو يشرح الله صدره للإسلام. وبينا الناسُ يتوافدون على النبي – صلى الله عليه وسلم – كل ٌيدفع الفداء لقاء قبض أسيره؛ إذ بعثت زينب بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في فداء "أبي العاص" بمالٍ وبعثت فيه بقلادة لأمها وأمنا "خديجة"، كانت أَدخلتها بها على أبي العاص. وجيء بالمال والقلادة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لإطلاق أبي العاص، فلما وقعت عينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على قلادة خديجة، رَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ – يستسمح أصحابه- :"إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا " فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. ففعلوا" (أنظري: ابن هشام 1/652.. بتصرف). لقد أثارت قلادة خديجة في نفس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذكريات، فكأنما هب إليه من إطار هذه القلادة أريجًا تنفسته خديجة، فحرك القلب الرحيم الحنون الوفي، بعدما كاد أن يقر بعد رحيل الحبيبة الكريمة، تلك المرأة التي حار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في فضلها. رق لها، ولما لا ؟ فقلادة لامست يومًا نَفسَ خديجة التي أعطته كل شيء.. نفسها وجهدها ومالها وبيتها، وتركت له كل شيىء، ولم تمتن عليه بشيء. ورق لها، رقة شديدة، فأوشك أن يرسل عَبرة حارة من عينيه الكريمتين، بيد أن العَبرة لم تسيل على الخد إنما سالت إلى القلب، فأحس الناظرون بحرارتها في رقته الشديدة هذه. وأشفقوا عليه. وشرع يستنزل فيهم الكرم، ويستسمح أصحابه – وهو الكريم الأكرم – أن يطلقوا لزينب أسيرها. ثم إنه في أدب جم وخلق سَجْح، يُخيرهم في ذلك ويكل إليهم القرار، ولو شاء أمرهم، فقال: "إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا". بأبي ـ أنت ـ وأمي ونفسي يارسول الله.
بُنيتي: في فتح مكة (رمضان 8هـ)، لما أراد أن يبيت، لم يذهب إلى بيت من بيوت أصحابه، أو يصادر أرقى بيوت مكة، ولكنه ضرب خيمته إلى جوار قبر "خديجة"، وكأنما لما فتح مكة؛ فتحت هي الأخرى قلبه، فنكئت فيه ذكريات "خديجة"، وكأنما جاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليها على قدم وساق، قد اختلطت في قلبه عَبرة الفراق وفرحة الفتح، ولسان حال المقام يقول: صدقت يا خديجة:"لا يخزيك الله أبدًا".
يا بُنيتي: التربية النسوية..مسئولية: إن إدارة بيت المستقبل ورعاية شؤونه فن يحتاج إلي تدريب طويل ومستمر وجاد، فلا يتم بين ليلة وضحاها، فهي ليست فقط تنظيف البيت وإعداده وترتيبه، ولا مجرد طبخات تطبخها الفتاة وتجيدها، وإنما هي قبل كل شيء مسئولية تربي عليها، فتختلف بتربيتها هذه عن تلك التي تفتقدها، وإن كانت تجيد فنون التنظيف والترتيب والطبخ. ومنهج التربية الإسلامية يعد الفتاة المسلمة للتحمل مسئوليتها، ويحفزها علي متابعة إدارة البيت وتحمل أعبائه ومشكلات أبنائه، ووضع كل أمر في نصابه، وتهيئة اكبر قدر من تنظيمه وسير أموره، ومنع اكبر قدر من اضطرابه واختلاله، ومشاركة في السراء والضراء، كل ذلك وغيره يتجاوز مجرد إتقان الأعمال المنزلية، فالأخيرة وحدها لا تكوّن ربة بيت، إن لم يكن معها هذا الشعور بالمسئولية: فعَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:"َأَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(رواه البخاري:6605، وفي مسند احمد، برقمي:5635 ، 5753). ولتعلم أن السعادة الزوجية تحل عندما يعلم الطرفان بمدي المسئولية الكبيرة الملقاة علي عاتقيهما، فيعملان بالتعاون لا التخاصم، بالتكامل لا التنافر، من أجل تكوين أسرة، وتنشئة أطفال لمستقبل جديد. و" تربي علي طاعة زوجها فيما لا يغضب الله تعالي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا"(رواه الترمذي/ كتاب الرضاع، برقم:1079). "وأن تلازم بيتها، ولا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، وان تكون في حشمة حجابها، وأن تحفظ زوجها في غيبته وحضرته، في نفسها وماله وعياله، وتطلب مسرته في جميع أمورها، وتحفظه في نفسها وماله، همها صلاح شأنها، وتدبير بيتها، مقبلة علي مهماتها، وأن تقصر لسانها عن مراجعة الزوج أهله، وتستطيع تقوم الولد في غيبة والده، وان لا تكثر من الكلام مع أجنبي من وراء حجاب، وتخبر أنه إذا مات زوجها لا يجوز لها أن تحد عليه اكثر من أربعة اشهر وعشر، وتجتنب الطيب والزينة فيهن والتعرض للزواج"(بتصرف من جمال الدين القاسمي الدمشقي: جوا مع الآداب، إعداد خليل إبراهيم علي، 1984م، ص 36).
يا بُنيتي: تربية الفتاة وتدريبها علي حفظ أسرار بيتها وأسرتها وعدم البوح بها، وان تكون قدوة حسنة، وأن تجيد لغة التفاهم، وبذل الجهد لفهم شريك حياتها، ومحاولة إسعاده، وعليها تنظيم وقتها وتوزيع أولويتها، بحيث توفر قسطا كبيرا من الراحة لنفسها، وتخلق جوا من الألفة والمودة مع زوجها للحوار بهدوء، وليعبر كل منهما عن مشاعره. كما إن التسامح والتجاوز عن الأخطاء يريح النفس ويخلصها من شحنات الغضب والكراهية، فلا تثور لأتفه الأسباب، ولا تخلق المشكلات، ولا تكثر الشكوى، "فالمرأة بطبيعتها سريعة التأثر والتأثير، وسرعان ما تعبر عما بداخلها من ضغوط ومشاعر سواء سلبية أو إيجابية"، وعليها تعلم تفادي مشاعر الرغبة في السيطرة على الزوج، مع الاعتدال في الغيرة، والتميز بين حالات التوتر والإرهاق لدي الزوج، وبين الغضب منها، والتمييز بين مواطن الجدة منك ومواقف اللين والمرح وعدم الخلط بينهما.
يا بُنيتي: وتربي ـ علما وعملا ـ علي كيفية التعامل مع المشكلات الزوجية، والاختلافات الأسرية، وتقويم تدخل الأهل والأقارب، أو حصرها في المنزل، وكيفية تفاديها وعدم تكرارها مستقبلا، وصولا لأسباب السعادة الزوجية. الإلمام بقواعد الصحة العامة والأسرية، وحسن إدارة صحة أبنائها، والتدرب علي الإسعافات الأولية، وكيفية العناية بالجروح والحروق والكسور، وإعطاء بعض الأدوية. كما تتعلم كيفية ضبط الانفعالات والغضب والارتباك إذا ما حدث طارئ من مرض وأو حادث لها او لطفلها أو لزوجها. ومن المفضل للمقدمين على الزواج اجتياز دورات تدريبية في مهارات التواصل والقيم الأسرية، لتحسين فرص نجاح أسرتهم وسعادتها.
يا بُنيتي: تربيتها علي حسن اختيار شريك حياتها، وإبداء رأيها، وتحمل مسئولياتها بناء علي ذلك، وعلي وليها أن يزوجها من الأكفاء الأخيار ذوي الدين والمرؤة الذين يتوسم فيهم أسعدها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(رواه الترمذي، برقم1004)، وفي رواية عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنِ ابْنِ وَثِيمَةَ النَّصْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"( في سنن ابن ماجة/ كتاب النكاح برقم:1957).
يا بُنيتي: في نهاية طريق تربيتها الأسرية النسوية، وبداية مشوار الحياة الزوجية.. تقف تلكم النصائح الغالية،والقواعد التربوية التي دشنتها "أمامة بنت الحارث" لأبنتها "أم إياس" لتضع النقاط فوق الحروف:"أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنت عن الزواج لغني أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت اغني الناس عنه،ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال.أي بنية: انك فارقت الجو الذي منه خرجت وخلفت العش الذي فيه درجت، غلي وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فاحفظي له خصالا عشرا يكن لك ذخرا..أما الأولي والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة، وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواقع عينيه وانفه، فلا تقع عينه علي قبيح، ولا يشم منك ألا أطيب ريح/ وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء علي حشمه وعياله، ملاك الأمر في المال حسن التقدير ، وفي العيال حسن التدبير، وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرا ، ولا تفشين له سرا، فأنك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره، لم تأمني غدره، ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتما والكآبة بين يديه عن كان فرحا".
يا بُنيتي: إن الفتاة المتعلمة المهذبة التي نالت قسطها من تربيتها، هي فخر لأهلها، وعون لزوجها، وكمال لأبنائها، فأهلها بها يفتخرون وأولادها بها يسعدون، ومن ذا الذي لا يسر فؤاده بابنته التي بالمعرفة تربت علي تدبير أمورها، وبالحكمة تـسير طريقها، فيجد فيها زوج المستقبل مديرا ناجحا، وأنيسا عاقلا، وسميرا كاملا. إن السعادة الزوجية لا تأتي مصادفة أو تمنيا، فالحياة الزوجية لا تخلو من الاختلافات والمشكلات والأزمات، لكن السعداء من عرفوا وتدربوا وأعدوا علي أن يكونوا يتجاوزوها ليصبحوا سعداء، لذا فالتربية النسوية، والإحساس بالمسئولية هي أساس استقرار الحياة الزوجية.
يا بُنيتي: ينظر الإسلام للزواج باعتباره ليس ارتباطاً بين فردين فحسب، وإنما يعتبره علاقة متينة وشراكه وثيقة لا تنفصم عراها تجمع بين عائلتين لبناء أسرة متماسكة تربطها روابط الرحم، ومن ثم فقد أكد أن قوامها الوداد والتراحم والتعايش:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(1الروم:21). وصدق الله تعالي، فليس كل البيوت تُبني علي المودة، فأين الرحمة والتذمم؟. لا تتوقعي ـ عزيزتي ـ أن ينظر أهل زوجك نفس نظرتك للحياة وتصرفاتك اليومية، وكيفية حل مشكلاتها لذا يجب فهم الأختلافات والفروق الفردية والعائلية والمجتمعية ومحاول التقريب منها. ويبقي نجاح تعاملك ـ بُنيتي ـ وتقديرك لأهل زوجك، وتوثيق صله زوجك بهم وليس عكس ذلك، من أسس استقرار واستمرار حياتك الأسرية وسعادتها. كما هو أيضا سبب رئيس يقف وراء التفكك الأسري والشقاق والطلاق. ضعي نفسك ـ صغيرتي ـ موضع حماتك وعامليها كما تحبين ان تعاملك زوجة ابنك أ