هل تعرفون طبـيـباً يعالج الناس وهو لا يـبـصـر ...!!!
تعالوا لنتعرف عليه ..
=======
الأعمى ديفيد هارتمان كانت أمنيته أن يدرس الطب، وكان كل الذين يعرفونه يعتقدون جميعاً أنه يستحيل عليه ذلك،
حتى أسرته. في ربيع 1972 أوشك ديفيد على إنهاء الثانوية بمعدل كاد يبلغ حد ( 3,8 ) من أربع نقاط، وتقدم بطلب
الانتساب إلى عشر كليات طبية وفي مطلع إبريل تسلم رفضاً من ثمان كليات، ثم وصل الرفض التاسع، وبعد وقت قصير
تلقى ديفيد رسالة موافقة من جامعة تمبل، ومع هذا القبول دخل ديفيد معركة التحدي، دروس التشريح التمهيدية انطوت
على مشكلات خاصة بالنسبة إليه ، وهو وإن استطاع أن يغوص بيديه المحميتين بقفازين من المطاط داخل الجثث لتلمس
مواضع الأعضاء الكبيرة والتعرف عى هيئتها، إلا أن التعرف على الأعضاء الأصغر حجماً والأكثر تستراً مثل الضفائر
العصبية استوجب استخدم يديه العاريتين، وهذا ما أقحمه في سباق لتعلم الأشياء الضرورية قبل أن تفقد أصابعه حاستها
بسبب ملامسة محلول الفورمالدهيد الذي يستخدم في المختبر لوقاية نماذج الكائنات من الفساد.
أما صعوبة علم الأنسجة وهو الدراسة المجهرية لتكوين الأنسجة فلا تقارن صعوبتها لديفيد بشيء، ولذلك تعين عيه أن
يعتمد في هذه الدراسات على أساتذته وزملائه في وصف ما يرونه بالمجهر، وعلى تلمس رسوم حفرت بأسلوب شبيه
بطريقة برايل أعدها له أستاذه.
راح ديفيد ينظم مكتبة خاصة به ، تحوي المراجع التي يحتاجها في دراسته، وقام مجموعة من متطوعي " جمعية
التسجيل للمكفوفين " بتزويده مجاناً بأشرطة سجلت عليها ثلاثين مجلداً من الكتب المقررة على ديفيد. وما كاد ديفيد
يباشر سنته الطبية الثانية حتى وجد نفسه غارقاً في حال ميئوس منه، فحتى يمكنه متابعة ست محاضرات في اليوم
الواحد، قام ديفيد بتسجيل المحاضرات كلها على آلة واحدة، ثم نقل الأشرطة إلى بيته لتسجيل ملخصات له على آلة
ثانية، لكن هذا الأسلوب كان يتطلب قرابة الساعتين لتسجيل ملخص محاضرة من ساعة واحدة، أي أنه كان في حاجة
إلى اثنتي عشرة ساعة يومياً لإتمام واجباته الدراسية المنزلية .. معاناة وجهد متواصل لكن بروح لا تعرف اليأس .
مرت الأيام والسنون حتى جاء يوم 27/5/ 1976 م الذي تسلمَّ ديفيد فيه شهادة الدكتوراه في الطب، وبعد مرور بضعة
أسابيع على تخرجه، احتفلت جمعية التسجيل للمكفوفين ذات مساء بمناسبتين مهمتين : مرور 25 سنة على تأسيس الجمعية،
ووقوع حدث عظيم في تاريخها ، إذ اقتحم أشد رعاياها طموحاً ميدان الطب، وأشاد رئيس الجمعية بديفيد وهو يقدم إليه
جائزة مؤسسة الجمعية ، لأنه أظهر انتصار الروح البشرية ، ثم قال : إننا نشعر بهذا المثل الذي ضربه لنا ديفيد هارتمان
بأن إيماننا بالإمكانيات غير المحدودة لجميع الناس قد تجدد ، وبأن الحماسة تصنع المعجزات .
لماذا ينجح هذا الأعمى ويهزم عشرات المراجع الطبية الضخمة، ونتشكك نحن الطلاب أصحاب الحواس السليمة من قهر
الكتب المقررة علينا ، رغم سهولتها وكثرة المحذوف منها؟ حتماً ليس الجواب بأننا لا نملك القدرات الذهنية المطلوبة لذلك،
إن عقلنا جبار يملك قدرات هائلة ، لكن الجواب أننا فقدنا المصدر الحقيقي للدافعية والحماسة وهو الهدف الواضح ، ولأن
الكثير منا قد استسلم عند العقبة الأولى أو الثانية .
أقول : المثابرون فقط هم من يستطيعون تحقيق الحلم المستحيل .